قالوا: وأما قولكم بالقياس على دين الآدمي الذي أخر عن وقته فغير صحيح؛ لأن وقت الوجوب بالنسبة للصلاة وقت محدود الطرفين، وهذا الوقت لا يمكن أن يعوض في وقت آخر أبداً؛ لأنه في هذا اليوم وفي هذه الساعة محدود الأول ومحدود الآخر، بخلاف الدين. وكذلك رمضان، فالله تعالى جعل رمضان محدود الطرفين، فيبدأ من رؤية هلال شهر رمضان إلى رؤية هلال شهر شوال، فهذا وقت محدد يجوز للعبد أن يصوم فيه، ولا يجزئ أن يصوم أحد قبله ولا بعده، أو أن يوقع هذه العبادة التي فرضها الله تعالى في غير وقتها، وكذلك اليوم الواحد من أيام شهر رمضان محدد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فلا يمكن أن يوقع في غيره بدلاً عنه؛ لأنه إن أوقعه في رمضان فرمضان كله واجب، وإن أوقعه في غيره فقد أوقعه في غير رمضان، فلا يصح منه الأداء. أما الدين وما أشبهه فوقته فيه سعة، ولا يقال: إن رمضان يقضى بين رمضانين أو أكثر؛ لأنه لو أفطر يوماً من رمضان عامداً لا يقوم مقامه يوم آخر، أما القضاء ففيه سعة، فلو لم يقض اليوم لقضى غداً ما بين رمضان إلى رمضان، فإن جاء رمضان الآخر ولم يقض فإنه يستمر عليه الوجوب، ففرق بينهما، ولذا قال رحمه الله تعالى: (وسر الفرق أن المعذور لم يتعين في حقه أيام القضاء، بل هو مخير فيها)، فالمعذور الذي ترك الصيام لعذر مخير في أيام القضاء، ولو أنه فرط حتى جاء رمضان الآخر فلا شك في أنه فرط، ولكنه فرط في أيام هو مخير فيها، وليس كمن فرط في شهر رمضان الذي لا تخيير فيه، ففرق بين هذين.